التمكين على الورق والتهميش في الواقع.. مأساة المرأة بعد الستين

إعداد الأستاذة الدكتورة جيهان رجب
أستاذ بجامعة عين شمس
هل يعقل أن تطرد امرأة من بيت شاركت في بنائه بعد عمر تجاوز الستين ؟ أين تذهب حقوق المرأة بعد أن تنتهي العلاقة ويمحى تاريخ من العطاء ؟ كيف تتحول شريكة الحياة إلى ضيفة لا حق لها ولا مأوى ؟ هل التمكين الحقيقي مجرد شعار، أم حماية فعلية في أوقات الحاجة ؟ لماذا لا يعترف القانون بتعب سنين، لم يكتب في عقد، لكنه محفور في تفاصيل كل يوم ؟ ومتى يصبح "الكد والسعاية" حقا قانونيا ؟؟؟
في زمن ترتفع فيه أصوات تطالب بتمكين المرأة، وترفع فيه شعارات العدالة والمساواة، نجد آلاف السيدات في مصر يواجهن واقعا مؤلما من التهميش والنكران. السيدات أفنين أعمارهن في خدمة بيوتهن، وبناء أسرهن، وساهمن بكل ما يملكن – من مال وجهد وصبر – في تأسيس حياة مشتركة، ليفاجأن في نهاية الطريق أنهن بلا حماية، وبلا اعتراف رسمي بما قدمن. قضية "الكد والسعاية" ليست قضية قانونية بحتة، بل هي مرآة صادقة تكشف التناقض بين ما يرفع من شعارات، وما يمارس من ظلم صامت، لا يرى إلا حين تنهار المرأة، وتلجأ للمحاكم، باحثة عن حق كان يجب أن يحفظ منذ البداية.رغم ما نسمعه يوميا من شعارات رنانة عن "تمكين المرأة" و"مساواتها بالرجل"، تبقى الحقيقة المرة في تفاصيل الحياة اليومية للسيدات، خاصة حين تصل المرأة المصرية لمرحلة عمرية متقدمة، لتكتشف أن كل ما قدمته من تعب، وعرق، وسنوات من الشراكة والتضحية، قد ذهب هباء منثورا، وأن القانون والمجتمع معا قد تنكرا لها. واحدة من أبرز صور هذا الظلم تتجلى في قضية "الكد والسعاية"؛ ذلك المبدأ الذي يفترض أن ينصف المرأة التي شاركت زوجها في بناء الحياة، لكن دون توثيق أو أوراق، وإنما بشهادات التعب والجهد والسنين. هذا المصطلح – الذي استقاه الفقه الإسلامي من العدالة الاجتماعية – يعني أن للمرأة حقا في ثمار ما كدت وسعت فيه، طالما أنها شاركت في تنمية ثروة الزوج أو الحفاظ عليها، سواء بالعمل داخل المنزل أو خارجه. لكن، وللأسف، في ظل غياب تشريع واضح وملزم، يتحول هذا الحق إلى مجرد اجتهاد قضائي نادر، قد يطبق في قضية ويغفل في أخرى، لتظل المرأة رهينة الحظ والظروف !!!!
من الشراكة إلى الطرد ... كم من امرأة مصرية عاشت مع زوجها عشرات السنين، أسهمت في تأسيس بيت، وشراء عقارات، وبناء مستقبل، من مالها وماله، ومن صحتها وشبابها، ثم وجدت نفسها بعد سن الستين مطرودة من البيت، لا تحمل من العمر إلا الذكريات، ولا من الحقوق شيئا ؟ زوجها قد يطلقها ، أو يتزوج بأخرى، أو يقرر فجأة أن كل شيء بأسمه وحده، وكأن شريكة الحياة لم تكن شريكة بل عاملة متطوعة !!!!! في بعض القرى والمجتمعات، يقال للمرأة "مالكيش حاجة، كل حاجة مكتوبة باسم الراجل!!!!!!! " وكأن الزواج في نظر البعض مجرد عقد خدمة مؤقت، وليس شراكة إنسانية واقتصادية واجتماعية كاملة. أين التمكين الحقيقي ... التمكين لا يعني فقط تمثيلا سياسيا أو وظيفة قيادية، بل يعني أن تحظى المرأة بحماية قانونية واجتماعية كاملة تحفظ حقوقها حتى بعد نهاية العلاقة. ما الفائدة من حملات تمكين المرأة، إن كانت لا تجد مأوى ولا نفقة بعد الشيخوخة ؟ ما الفائدة من الاحتفال بيوم المرأة، إن كانت سيدات كثيرات يقضين أعوامهن الأخيرة في المحاكم يطالبن بحقهن في بيت شاركن في بنائه قرشا فوق قرش؟ الحل في التشريع العادل ... نحن بحاجة ملحة لقانون يكرس مبدأ "الكد والسعاية" كحق ثابت، وليس مجرد اجتهاد، ويلزم الزوج بإثبات مساهمة الزوجة أو الاعتراف بها. كما يجب تطوير الوعي القانوني لدى السيدات من سن مبكر، حتى لا يبقين عرضة للاستغلال. كذلك، من المهم أن تقوم مؤسسات الدولة والمجتمع المدني بحملات توعية شاملة، تغزز ثقافة التوثيق، والتفاهم العادل داخل مؤسسة الزواج، وتعطي للمرأة أدوات قانونية لحماية نفسها دون أن تنتظر المعجزة. المرأة المصرية لا تطلب صدقة، بل تطلب حقا، حقا عن كل يوم تعب، وعن كل لحظة شاركت فيها في تأسيس حياة. "الكد والسعاية" ليست رفاهية قانونية، بل مطلب عدالة.فإلى متى تظل المرأة تكافأ على إخلاصها بالنسيان، وعلى عطائها بالتشريد، وعلى شراكتها بالتجاهل؟
المرأة مش مجرد زوجة شاركت في بيت، أو أم ربت، أو أخت ساندت، أو بنت شالت هم أهلها... المرأة هي العمود اللي بيتسند عليه الكل، هي اللي بتدي من غير حساب، وبتضحي من غير ما تطلب مقابل، وبتعيش عمرها كله شايلة مسؤوليات مش بتتقاس من غير ما تكتب عقد أو تاخد إيصال. هي اللي كدت وسعت، وأثبتت إنها شريكة حقيقية في بناء كل بيت وكل نجاح. ومن حق كل ست إن تعبها ما يروحش، وإن المجتمع يعترف بدورها، وإن القانون يحميها لما تكبر أو لما الظروف تتغير. من حقها تعيش بكرامة، وتلاقي في القانون سند، مش يسيبها تنام على باب بيت كان بيتها. تمكين المرأة مش كلمة تتقال في مؤتمر… تمكين المرأة يعني العدل ليها لما تضعف، والحماية ليها لما تنسى، والاعتراف بيها وهي لسه على قيد الحياة .