اكتشاف حفرية بشرية غامضة في تايوان يُثبت وجود إنسان دينيسوفا في شرق آسيا

كتبت: أمنية شكري
اكتشاف حفرية بشرية عمرها أكثر من 50,000 سنة في تايوان يكشف عن وجود إنسان دينيسوفا في مناطق دافئة، ويوسّع فهم العلماء لتاريخ الإنسان القديم في آسيا.
أعلن باحثون عن اكتشاف حفرية بشرية غامضة في تايوان، يرجع عمرها إلى عشرات الآلاف من السنين، وتبيّن من خلال التحليل البروتيني أنها تعود إلى إنسان دينيسوفا، أحد الأنواع المنقرضة من البشر القدماء. هذا الاكتشاف المهم المنشور في مجلة Science، يضيف بُعدًا جديدًا لفهمنا لتاريخ البشر في شرق آسيا.
تفاصيل اكتشاف الحفرية في تايوان
في عام 2008، حصل الدكتور تشانغ جون شيانغ -عالم الأحياء في المتحف الوطني للعلوم الطبيعية في تايوان- على حفرية نادرة من جامع مقتنيات يُدعى تساي كون يو. هذه الحفرية تم انتشالها من خندق بنغهو البحري، الذي يبعد حوالي 25 كم غرب سواحل تايوان. ويُعتقد أن هذا الخندق كان جزءًا من اليابسة خلال العصر الجليدي في حقبة البليستوسين.
تفاصيل الحفرية البشرية
الحفرية عبارة عن عظمة فك سفلي يمنى بشرية محفوظة جيدًا، تحتوي على أربع أسنان تشمل الطواحن والضواحك. وأظهرت التحاليل أن بنية الفك والأسنان بدائية وتشبه إلى حد كبير الإنسان المنتصب (Homo erectus).
تحليل عمر الحفرية
اعتمد الباحثون على تحليل العناصر النادرة، والطبقات الحيوية (البيوستراتيغرافيا)، وتغيرات مستوى البحر لتقدير عمر الحفرية، وقدروه بما بين 10.000إلى 70,000 سنة، أو ربما بين 130,000 إلى 190,000 سنة. لكن نظرًا لتأثر الحفرية باليورانيوم في مياه البحر وانخفاض نسبة النيتروجين، لم يكن بالإمكان استخدام طرق التأريخ الإشعاعي التقليدية مثل الكربون أو اليورانيوم بشكل فعال.
من الإنسان المنتصب إلى إنسان دينيسوفا
الدراسات السابقة:
في 2015، نشر الدكتور تشانغ وزملاؤه النتائج الأولية في مجلة Nature Communications، مؤكدين أن العينة تعود إلى فرد بالغ من جنس الإنسان، وقد تكون من نوع الإنسان المنتصب (Homo erectus).
في 2019، رجّح باحثون أنها ربما تعود إلى إنسان دينيسوفا بعد مقارنتها بفك سفلي من شياخه بالتبت.
التأكيد النهائي عام 2025: في عام 2025، وبعد تحليل البروتينات القديمة المستخرجة من الفك والأسنان، نجح العلماء في تحديد 4241 تسلسلًا حمضيًا أمينيًا من 51 نوعًا من البروتينات. وتبيّن أن: اثنين من الأحماض الأمينية كانت خاصة بإنسان دينيسوفا. كما وُجد بروتين Y-type enamelin الذي يُنتج فقط عند الذكور، مما يؤكد أن "بنغهو 1" كان ذكرًا من إنسان دينيسوفا. وهذا الاكتشاف نُشر اليوم في مجلة Science.
أهمية هذا الاكتشاف في علم الإنسان القديم
قالت جانيت كيلسو، عالمة الأحياء الحاسوبية في معهد ماكس بلانك لعلم الإنسان التطوري في ألمانيا: "كنت متحمسة للغاية عندما رأيت هذا الاكتشاف."
البروتينات القديمة ودورها في إعادة بناء التاريخ
استغرق تطوير تقنية استخراج البروتينات القديمة أكثر من عامين. حيث استخدم العلماء الأحماض والإنزيمات لفصل البروتينات من عظام الفك والأسنان. وقارن الفريق البروتينات مع الحمض النووي لإنسان دينيسوفا من سيبيريا، ووجد تطابقًا كبيرًا.
تحديات تأريخ الحفرية
يُعد تحديد العمر الدقيق لحفرية بنغهو تحديًا كبيرًا، بسبب غياب الرواسب الأصلية التي دُفنت فيها. ومع ذلك، أكد راينر غرون، خبير التأريخ الجيولوجي في الجامعة الوطنية الأسترالية: "كل ما يمكننا قوله هو أن الحفرية أقدم من 50,000 سنة."
مقارنة مع حفريات دينيسوفا الأخرى فك شياخه 1 من التبت يعود إلى 160,000 سنة. وتشير حفريات كهف دينيسوفا في سيبيريا إلى أن إنسان دينيسوفا عاش بين 200,000 و50,000 سنة مضت. في تلك العصور، كان مستوى البحر منخفضًا، وكانت تايوان متصلة بالصين، مما يفسر انتشار الإنسان القديم.
ماذا يضيف هذا الاكتشاف لعلم تطور الإنسان؟
هذا الاكتشاف يؤكد أن إنسان دينيسوفا كان منتشرًا في شرق آسيا، بما في ذلك المناطق ذات المناخ الدافئ. كما يُظهر قدرته على التكيف مع بيئات متنوعة. ويوفر أدلة شكلية وجزيئية تساعد في فهم الفروق بين إنسان دينيسوفا والأنواع الأخرى من البشر. ويُسهم في سد فجوات هامة في دراسة تطور الإنسان.