مصطفى صلاح يكتب: حين يُحاصر النورُ بالعتمة.. تنهض نهال طايل بالكلمة

حين تصعد الأسماء في سماء المهنة، لا تصعد وحدها، بل تصحب معها الغيرة، الحسد، والقلوب التي لم تتعلم كيف تحتفي بالنجاح. هكذا وجدت نهال طايل نفسها ذات صباح، لا تصغي إلى كلمات تقدير عن مسيرتها الإعلامية، بل إلى وشايات تُحاك من أطراف الظلال، وأصوات مشوشة تنفث سُمّها في الخفاء والعلن، وكأن الضوء الذي تحمله نهال بات يوجع من اعتادوا العيش في العتمة.
نهال طايل لم تكن يومًا ابنة الصدفة، ولا عابرة طريق في شارع الإعلام المزدحم. منذ أن تخرجت من كلية الإعلام، شدّت رحالها إلى حلمها، لا تحمل سوى يقينٍ راسخ بأن من جدّ وجد، ومن أخلص بلغ. بدأت خطواتها الأولى في برامج متواضعة، على شاشات لم تكن يومًا براقة، ولكنها آمنت أن الأرض الصلبة تبدأ من التراب، لا من القمم. كان صوتها يخرج من القلب، وكانت صورتها صادقة لا تتجمل، فكان طبيعيًا أن تجد لها مكانًا بين الناس، لا بالتسلق، بل بالصبر والمثابرة.
هي لم تطرق بابًا بالوساطة، ولم تتكئ على كتف أحد. صنعت طريقها بنفسها، تتعلم من كل تجربة، وتُهذِّب أدواتها من كل منبر إعلامي. حتى حين سطع نجمها في برنامجها الشهير على قناة "صدى البلد"، لم تتغير، ولم تغرّها الأضواء. بقيت تلك الإعلامية التي تحترم عقل المشاهد، والتي ترفض أن تكون الإثارة هدفًا بحد ذاتها، بل تجعل من الرسالة الإعلامية قيمة لا تُمس.
ومن كان هذا دربه، لا بد أن يواجه الشوك قبل الورد. لكنّ بعض السهام حين تُرمى، لا تُطلق لتصيب الحقيقة، بل لتثني العزائم، وتحبط النفوس النقية. سيدة مجهولة الهوية، مجهولة التاريخ، قررت أن تجعل من اسم نهال سلّمًا تصعد عليه، ظنًا منها أن التجريح قد يُكسبها لحظة في الضوء. ولكنها نسيت أن الشمس لا تقبل الغبار، وأن العتمة لا تغلب النهار مهما طال.
أسلوب ركيك، وهجوم لا يمتّ للنقد بصلة، بل أقرب إلى الغلّ والحقد الذي يعجز عن أن يرتقي إلى مستوى الفعل المحترم. لكن نهال، التي خَبِرت هذه الطرق سابقًا، لم تختبئ خلف الصمت هذه المرة، بل اختارت أن ترد، لا بالكلمات المسمومة، بل بإظهار الحقيقة. أوضحت ما جهلته تلك السيدة، واستندت إلى مسيرة مهنية ممتدة عبر أكثر من عقد، لم يلطخها تنازل، ولم تَشُبها إساءة.
نهال طايل ليست فقط إعلامية ناجحة، بل هي أم، وزوجة، وإنسانة تحمل على كتفيها مسؤولية الكلمة وأمانة التأثير. لم تبنِ شهرتها على خلافات شخصية، ولم تدخل سوق "التريند" الرخيص لتزيد من عدد المتابعين. صفحاتها على وسائل التواصل مليئة بملايين المتابعين، لا لأنهم شهود على خلافات، بل لأنهم وجدوا فيها صوتًا يشبههم، ورؤية تحترم عقولهم. هي من ذلك الطراز النادر من الإعلاميات اللواتي يدركن أن الإعلام ليس فقط وسيلة نقل، بل أداة بناء وتغيير.
وإن كان البعض قد اختار السقوط في فخ التجريح، فإن بلادنا دولة قانون، تحفظ للمحترمين حقوقهم، وتضع حدًا لكل من ظن أن الكلمة باتت مباحة بلا ضوابط. لم تتخلّ نهال عن حقها القانوني، لأن السكوت على الإساءة هو ما يُطلق يد العبث، لا العكس. وهي حين واجهت هذه الموجة، فعلت ذلك لا لترد عن ذاتها فحسب، بل لتحفظ للمهنة هيبتها، ولتقول لكل من يحاول تدمير الآخرين بغرض الصعود: لن تنجحوا، لأن النجاح لا يُسرق، ولا يُنتزع بالتشويه، بل يُبنى بالتعب.
في هذه المعركة غير المتكافئة، بدا الفرق شاسعًا بين من يصنع بصمة وبين من يلوّث الأجواء. من يشعل شمعة في ليل المجتمع، ومن يلعن الظلام من دون أن يمدّ يده إلى المصباح. وبينما يستمر البعض في نصب الأفخاخ، تمضي نهال طايل في طريقها، لأنها تؤمن أن الوقت أثمن من أن يُهدر في مهاترات فارغة، وأن العطاء هو الجدار الوحيد الذي لا تهزّه العواصف.
وفي ظل هذا الضجيج، يبقى الجمهور هو الحكم. والجمهور، باحساسه الفطري، يعرف من هو الصادق، ومن هو المزيّف. يعرف من يعمل لأجله، ومن يعمل لنفسه فقط. والجمهور اختار نهال، لا لأنها مثالية، بل لأنها بشر تسعى للأفضل، وتجتهد، وتخطئ وتصيب، لكنها لا تتخلّى عن مبادئها، ولا تتاجر في مهنتها.
نهال طايل ستبقى، وستكمل، لأن الرحلة التي تُبنى على الإخلاص لا تنتهي عند أول عثرة. أما من يحاول التشهير، فلن يكون أكثر من عابر صوت، يُنسى بعد أن تنطفئ نيران الحقد في صدره. فالشمس لا تتوقف عن الشروق، وإن حاولت الغيوم أن تحجبها، والذهب لا يفقد بريقه وإن تكاثرت عليه الأتربة.
وهكذا تمضي نهال، خطوة بخطوة، تحمل حلمها النبيل، وتدافع عن حقها في أن تكون، وترد على الإساءة برقيّ الرد، وعلى التشويه بصدق الفعل، وعلى الحقد بحبّ الناس الذي لا يُشترى، ولا يُصطنع.