الذهب يحارب السرطان: دراسة جديدة تكشف عن آفاق علاجية واعدة

كتبت: أمنية شكري

الذهب ليس مجرد معدن ثمين يستخدم في الزينة، بل أصبح أيضًا عنصرًا أساسيًا في بعض الأدوية، مثل دواء العلاج الكيميائي المعروف "بالسييسبلاتين"، الذي يستخدم في مكافحة الأورام. وفي الآونة الأخيرة، بدأ البحث العلمي يركز بشكل متزايد على استخدام الذهب كبديل نشط في علاج السرطان. في مجلة أنجواندت كيمي، نشرت مجموعة بحثية فرنسية أول دراسة حول شكل وتوزيع مركبات الذهب (III) العضوية داخل خلايا السرطان، وكشفت كيف يمكن لهذه المركبات المصممة خصيصًا فتح آفاق جديدة لعلاج السرطان.

الذهب: خصائص كيميائية فريدة تدعم مكافحة السرطان

يمتاز الذهب بتركيبته الإلكترونية الفريدة، مما يمنحه خصائص كيميائية مميزة، ويسمح له بالتفاعل بشكل دقيق مع الجزيئات البيولوجية داخل الخلايا. ورغم هذه الخصائص المثيرة، لا تزال المعرفة حول سلوك مركبات الذهب (III) المضادة للأورام في البيئة البيولوجية محدودة. فهل تتغير هذه المركبات؟ وهل يتم اختزالها إلى الذهب (I) أو الذهب المعدني؟ وأين تستهدف هذه المركبات الخلايا السرطانية؟

دراسة متعمقة عن مركبات الذهب في علاج السرطان

تحت إشراف الباحثين بونو برتراند، سيلفان بوهِيك، و جان-لويس هازمان، قام فريق من الباحثين من جامعة السوربون، جامعة غرونوبل ألب، المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، والمركز الأوروبي لأبحاث المسرعات السنكروترونية بدراسة شاملة حول تفاعلية مركبات الذهب (III) ونشاطها المضاد للأورام. وقد استخدموا مزيجًا من الأساليب العلمية المتقدمة التي تعتمد على إشعاع الأشعة السينية السنكروترونية، وهي ومضات ضوئية شديدة الكثافة يتم إنتاجها في مسرعات الجسيمات.

التفاعل مع الخلايا السرطانية: استقرار المركبات واكتشافات جديدة

تمت دراسة مجموعة من المركبات الكاتيونية من الذهب (III)، التي تحتوي على مجموعات فينيل وألكيل وثنائي الفوسفات كمساعدات ربط. وتشارك هذه المركبات في أن ذرة الذهب ترتبط بكربوني المركب الأول وذرتين من الفوسفور في المركب الثاني، مما يشكل ترابطًا يشبه كماشة بين المركبين. أظهرت التحليلات أن هذه المركبات كانت مستقرة سواء في بيئة خالية من الخلايا أو داخل خلايا سرطان الرئة، ولم تُختزل أو تُطلق روابطها المساعدة لتشكيل روابط جديدة.

سمية مركبات الذهب ضد الخلايا السرطانية

أظهرت هذه المركبات سمية كبيرة تجاه خلايا الأورام. كان المركب "dppe" (مركب الذهب (III) مع 1,2-ثنائي الفينيل فوسفين الإيثان) هو الأكثر فعالية في مكافحة السرطان. حيث استخدم الفريق جهاز تحليل نانوي خاص بالأشعة السينية باستخدام تقنية التبريد السريع السنكروتروني لرسم خريطة للعناصر، بما في ذلك الذهب، في خلايا سرطان الرئة المجمدة بدقة نانومترية، وتحديد موقع مركب "dppe" وُجد أن المركب يتراكم بشكل انتقائي في "محطات الطاقة" داخل الخلايا، أي في الميتوكوندريا.

التقنية المتطورة تقدم رؤية فريدة للخلايا السرطانية

تكمن ميزة هذه التقنية في أنها لا تتطلب وضع العلامات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشويه النتائج. وتوفر هذه التقنية للعلماء رؤية فريدة على مستوى النانو عن الخلايا وهي في حالتها الطبيعية تقريبًا. ومن خلال مطيافية امتصاص الأشعة السينية، تمكن الفريق من الحصول على معلومات دقيقة حول التكافؤ والهندسة وحالة الأكسدة لذرات الذهب في المركب.

النتائج والتطبيقات المستقبلية لمركبات الذهب ضد السرطان

أظهرت هذه النتائج أن النشاط المضاد للأورام لمركبات الذهب يرجع بشكل رئيسي إلى الكاتيون الطبيعي ([ (C^C)Au(P^P)]+)، وأنه من المحتمل أن يكون هذا التأثير ناتجًا عن تفاعلات المركب مع جزيئات بيولوجية معينة، مما يؤدي إلى تعطيل وظائف الخلايا السرطانية. تميز هذه المركبات الذهبية عن المركبات الأخرى ذات التركيب المختلف، والتي تتسبب عادة في موت الخلايا من خلال التنسيق المباشر بين مركز الذهب والجزيئات البيولوجية. توفر هذه النتائج رؤى جديدة حول العلاقة بين بنية المركب وتفاعليته وسميته في علاج السرطان.

الخلاصة

تُظهر هذه الدراسات أن الذهب، بفضل خصائصه الفريدة، يمكن أن يكون أداة قوية في محاربة السرطان. بفضل التقنيات المتقدمة مثل الأشعة السينية السنكروترونية، أصبح من الممكن دراسة مركبات الذهب ضد السرطان بشكل غير مسبوق. من المتوقع أن تفتح هذه الاكتشافات آفاقًا جديدة في تطوير علاجات أكثر فعالية للسرطان.